أنا ياسيدي كهل في الثمانين من عمري, أعيش في أيامي
الأخيرة أقسي الساعات, يجافيني النوم, وتؤلمني نفسي اللوامة أكثر مما
تؤلمني أمراضي, ولن يستريح قلبي حتي أعترف بكل أخطائي, علي أمل ان
تقرأ ابنتي كلماتي ـ فهي مدمنة لهذه الصفحة ـ وتخبرني بأنها سامحتني علي
كل ما فعلته معها وعلي ظلمي لها طوال سنوات عمرها.
ابنتي هذه كانت وش السعد علي, فبعد مجيئها, جاء
معها الخير, فتحول حالي من فقر شديد, الي ثراء ورفاهية, إلي سيارات
ورصيد في البنك.
ولكني لم ألتفت الي رسالة الله الكريمة, لأني وبكل
صدق لم أكن أحب البنات, وكنت أتمني ان تكون ولدا... لم أكن سعيد ولم
أعرها اهتماما ولم أمنحها حب وعطف وحنان الأب, وكان كل تركيزي هو الدعاء
لله العلي القدير ان يرزقني الولد الصحيح المعافي, كانت زوجتي تشاركني
في كل شيء, بل الحقيقة انها كانت أكثر قسوة مني, فلم تشعر بأنها أم,
وكانت تري أن أمومتها ستتحقق عندما تنجب ولدا.
استجاب الله لدعائنا بعد عشر سنوات وأنجبنا الولد,
ولن أصف لك مقدار سعادتنا, تحولت حياتنا وكأنه أول مولود, فتفرغنا أنا
وأمه لتدليله وتلبية رغباته, وشاركت الابنة محبة مرات ومرغمة أغلب
الوقت, فكنا نهينها ونعاقبها اذا لم تلتفت له وتستجب لأحلامه.
لا تسلني عن العدل بين الابناء, فهذا كان أبعد تصور
لدي ولدي زوجتي التي كانت تشجعني ـ سامحها الله ـ علي هذه التفرقة, وتري
كل العيب والعار في المساواة بينهما.
نشأت ابنتي تقبل منا أي شيء, ولا تعترض علي
اهتمامنا وإنفاقنا ببذخ علي شقيقها, وعلي الرغم من رضاها البادي علي
تصرفاتها, الا اني كنت ألمح في عينيها عتابا وانكسارا, وأتعمد
تجاهلهما, دون ان يهتز قلبي أو ضميري. اتحدث عن نفسي ولا أريد أن
أتحدث عن أمها كثيرا, لانها الان بين يدي الرحمن ـ فهي ـ غفر الله لها ـ
كانت أكثر قسوة وظلما, بل طالما حرضتني هي وابننا علي ظلمها.
أعترف الان لابنتي أمامكم بأني كنت أبخل عليها في
مصاريف الدراسة, فيما أنفق علي ابني بالآلاف, كنت أمنحه في أربعة أشهر
فقط أكثر مما انفقته علي ابنتي أثناء تجهيزها للزواج, فقد وافقت علي
خطبتها مبكرا وهي في الجامعة وقلت لها عليك ان تعتمدي علي نفسك مع خطيبك
لتأثيث عش الزوجية, وتركتها تبيع شبكتها لتنفق علي دراستها, فيما
أنفقت علي ابني وخطيبته في كلية الطب لمدة ثلاث سنوات ما يقارب مائة الف
جنيه.
كنت إذا اشتريت لها شيئا, ضاعفت سعره, وكأني أمن
عليها, وأشعرها كم هي عبء علي, ولم أبخل علي ابني, فمنحته ربع مليون
جنيه لتأثيث عيادته, وحتي لا تنظر اليه قلت لها انه استدان ليؤثث عيادته
الخاصة.
هل لك ان تتخيل ابنتي تذهب الي المستشفي بمفردها
لإجراء جراحة, فلا نذهب معها, تترك زوجها مع أبنائها وتذهب هي مع
صديقتها ونمر عليها بعد الجراحة كالغرباء, وتشاء الأقدار ان يجري ابني
نفس الجراحة فلا يغمض لنا جفن, ندخله أفضل مستشفي ونحضر له أكبر
الأطباء, ولا نفارقه لحظة واحدة حتي يخرج سالما.
سيدي.. لا أصدق ما فعلته وزوجتي بابنتنا, أستعيد
الأشياء وأكاد أفقد صوابي, وأذوب خجلا مما فعلنا, كيف أعمي الله
بصيرتي وأغلق قلبي الي هذا الحد, ولكن أرجوك تحملني ولا تصب علي غضبك,
فالقادم أكثر ظلما وإيلاما.
أصيب زوج ابنتي بمرض في قلبه, مما كان يستدعي منها
جهدا مضاعفا للاعتناء به, وهو كان كريما رءوفا بها, حريصا علي
ارضائها, وإرضاء أهلها حتي لو كان هذا علي حسابه وحساب أبنائهما.
ذات يوم مرضت زوجتي, واحتاجت الي من يرعاها,
فالخادمة لاتصلح لهذا الوضع, فطلبت من ابنتي ان تأتي لتعيش في
عمارتنا, فتقرر زوجتي وابني ان تقيم في شقة علي السطوح بجوار الخادمة ـ
لأن هذا مقامها ـ ويسارع ابني بتأجير شقة أخري في الطابق الثاني بنصف
قيمتها حتي لا تطمع فيها, وعندما تشكو الابنة من صعوبة صعود السلم علي
زوجها المريض, نقول لها هذا هو المتاح, فتجري في الشوارع بامكاناتها
البسيطة بحثا عن شقة بجوارنا, رحمة بزوجها, ولم يهتز لنا جفن, بل
الادهي من ذلك, اجر ابني الشقة التي في السطوح حتي لا تضع فيها بعض
أشيائها.
أتذكر الان, ابني وهو يبتزني, ويخبرني بانه أقل من
أقرانه, فأبذل كل جهدي لمنحه المزيد من النقود, وأنا في حالة فزع أن
يمرض بسبب إحساسه, وألا يكون آمنا بعد موتي, فزع أصابني بالقلب وأنا
في الاربعينيات من عمري, ولكن كله يهون من أجل الولد الذي سيخلدني ويحمل
اسمي الي الأبد, لذا كنت أبيع ما أملك لأمنح المقابل له, وأخبر ابنتي
اني بعته بعشر ما بعته, حتي لاتشعر بأني مقصر معها, وان علقت ابنتي
بكلمة تنفجر زوجتي في وجهها مستخدمة اسطوانة مشروخة تعدد فيها ما فعلته من
أجلها وهي لاتقدر, فتنهار ابنتي بالبكاء وتنقض علي يدي أمها لتقبلهما
طالبة الصفح والعفو.
مات زوج ابنتي, وتعاملنا كعادتنا معها بكل فتور,
كنا اخر المعزين... لا أعرف ولا أفهم, كيف صبرت علينا ابنتنا...
المسكينة الرحيمة لم تفق من موت زوجها, حتي ماتت ابنتها, تلك الحفيدة
التي تركناها مريضة, وتركنا أمها تستدين من الاخرين لعلاجها, ونحن
بقلوبنا المتحجرة كأن شيئا يحدث ليس لنا أي علاقة به, ولكن يوم الحق كان
قريبا, وانتقام الله العادل كان قريبا.
سقطت مريضا ياسيدي, واستدعت حالتي نقلي الي
المستشفي, جاءت ابنتي لتجلس تحت قدمي, تركت كل شيء لخدمتي, أما ابني
وزوجته فكانا يمران علي لدقائق, تاركين أطفالهما في السيارة, مما أغضب
زوجتي فذهبت للوم زوجة ابني في بيتها, فلاقت ما لا تتوقعه من إهانات
وشتائم علي مرأي ومسمع ابنها الجالس علي السرير لم يبرحه. فعادت زوجتي
مقهورة, لتموت كمدا قبل أن تنطق الشهادتين. إنشغلنا في إعداد الجنازة
لدفنها في قريتنا, وفجأة ونحن في المقابر, بحثت عن ابني فلم أجده
بجواري, فزعت عليه
وقلت لمن حولي: ابحثوا عنه فقد يقتل نفسه حزنا علي
أمه, فأخبرني أحد الجيران, بأنه شاهده منذ قليل بسيارة نصف نقل,
يحملها بأشياء من البيت, اكتشفت بعد ذلك أنه أخذ متعلقات أمه, أخذ كل
ما خف وزنه وغلا ثمنه, وعاد إلينا في آخر الليل وفي عينيه دموع, نفس
دموع أمه, دموع التماسيح.
إلتف الأهل والجيران حول ابنتي الحزينة, وبدلا من تقديم العزاء, كانوا يرجونها أن تسامح أمها, فالكل يعلم ماذا فعلنا بها.
بعد أن انفض الجميع من حولي, وعدت وحيدا إلي
بيتي, سألني أخي كيف ستعيش؟.. فقلت له: ابنتي أولي بي, فصرخ في
وجهي, ابنتك المريضة, ابنتك التي عذبتها وقسوت عليها وحرمتها من محبتك
ومالك, وأذلت نفسها للآخرين, لماذا لا يكون ابنك الذي منحته كل ثروتك
كل حنانك ومحبتك, هل سيرفض رعايتك؟ فأجبت بالنفي, فقالوا سيكون مصيرك
مثل زوجتك.. فقررت أن أخوض الاختبار, وليتني ما فعلت.. يوم واحد يا
سيدي, لم أر أسوأ منه في حياتي, فقد عشت الذل بمعناه من زوجته
وأحفادي, ولأول مرة أفهم معني الآية الكريمة:.. آباؤكم وأبناؤكم لا
تدرون أيهم أقرب لكم نفعا....
سيدي.. أنا الآن مريض, وحيد, أحتاج إلي عناية
خاصة, ولا أستطيع تحمل مصاريف علاجي, ولا أجد أمامي وحولي الا ابنتي
المريضة المظلومة.. ولكن ليس لي أمل في أيامي الأخيرة إلا أن تعفو عني
وتسامحني, هي وكل من ظلمتهم, من أجل ابني, سامحه الله وهداه..
أرجوك ناشدها أن تغفر لي, فها أنا أتلقي جزاء ما اقترفت, وعقاب الله
لي ماثل أمام عينيها, فلترح قلبي ولتسمعني كلمة واحدة: سامحتك يا
أبي, بعدها يمكنني تحمل كل أنواع العذاب!
تعليق شخصى :
سبحان الله الذى أخرج الحى من الميت
نعم ..... فهذه الفتاة ذات القلب الحى قد خرجت من أناس ماتت قلوبهم ....
كم بحثت عن هذه القصة أعزائى حتى اسردها لكم .... و الحمد لله فبعد شهور وجدتها ....
اذكر اليوم الذى قرآتها فيه .... فقلت فى نفسى ( اللهم ارزقها الجنة )
.... فادعوا لها يا أخوتى ... فهذه المرآة بارك الله فيها ندر الوجود منها
هذا الزمان ...
ها نحن نرى مثال لأقصى ما قد يواجد أى إنسان
فقر....مرض....موت الزوج .... موت الابنة ..... الاستدانة .... و ظلم والديها لها
اسال الله لهم المغفرة و العفو
و نرى مثال آخر لعقوق الوالدين من ابن يرى اهانة والديه و لا يتحرك ساكنا
و نرى مثال لاساءة معاملة اب و ام الزوج من زوجة الابن ..... سامحها الله
كم من مثال نرى أصدقائى ... و لا أعلم من أين أبدأ !!!
ولكننى سأعود للمشكلة الاساسية : الفرقة بين الابناء !!
يا أخى ... يا أختى .... اتقوا الله
قال تعالى : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا
يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ}
سورة الشورى الآية 49
فكيف تؤمنون بالله و أنتم تعترضون على قدره .... و الايمان بالقدر من اركان الايمان!!
على العكس فلتبشروا :
فقد ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال :
”من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن و ضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة
بفضل رحمته اياهن , فقال رجل : أو ثنتان يا رسول الله , قال : أو ثنتان ,
فقال رجل : أو واحدة يا رسول الله , قال : او واحدة“
الجنة .... الجنة التى لا تقدر بثمن ستأتيك إن أحسنت لبناتك !! و هل هناك جائزة أكبر من الجنة!!
سامحكم الله يا من اساءتم لبناتكم فقد
اتبعتم خطا الجاهلية ....قال سبحانه وتعالي: وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل
وجهه مسودا وهو كظيم. يتواري من القوم من سوء ما بشر به, أيمسكه علي
هون أم يدسه في التراب, ألا ساء ما يحكمون, صدق الله العظيم.
ألا ساء ما يحكمون؟
و ألا ساء ما تحكمون ؟!!
عذرا أطلت عليكم .... و لكن عسى أن أغير مستقبل فتاة قد تولد و تظلم من أحد منكم .... فقد أبلغتكم و نصحتكم و الله شاهد عليكم
اللهم انى بلغت اللهم فاشهد